سأسبح نحو كابلات الإنترنت البحرية وأقطعها بكمّاشتي

اكتشف وتسوق أفضل مجموعة من المنتجات التقنية وأسلوب الحياةواحصل على خصم 10% على طلبك الأول من متجر سماعة باستخدام الكوبون

TECH1

السادس من كانون الثاني 2006، يقوم أحد العمال بقيادة آلة الحفر الضخمة التي يستخدمها كل يوم ليقوم بعمله المعتاد وقبل أن يدرك الأمر، يعلق شريط مدفون بالقرب من السطح نسبياً بأسنان ذراع جرّافته ليلاحظ هذا بقية العمال موقفينه قبل تفاقم الأمور… ما لم يدركه هذا العامل المجدّ حينها أن هذا الكابل هو كابل ألياف بصرية، وأن تدفق البيانات العابر للقارّات سيتوقف لثلاث ساعات ونصف بسبب هذا الخطأ تاركاً الكثير من الشركات التي تعتمد على هذا الكابل في توصيل بياناتها في حالة شلل.

السابع والعشرين من آذار 2013، مجموعة من المخربين يرتدون ملابس الغطس في الاسكندرية – مصر ويقررون قطع شبكة الانترنت عن أغلب مناطق الدولة من خلال جزّ كابل الألياف البصرية البحري من نقطة بعيدة عن الساحل ما لا يزيد عن الكيلومتر الواحد، وعلى الرغم من تدخل السلطات السريع وإيقافهم قبل إكمال العملية يتسبب هذا الحادث بضياع 60% من خدمات الانترنت، تاركاً شركات الاتصالات المحلية في حاجة للعمل لمدة 20 ساعة متواصلة لإعادة الوضع إلى ما كان عليه.

عام 1987، كلفت عضات أسماك القرش شركات الاتصالات 250 ألف دولار أمريكي للعضّة الواحدة لإصلاح كابلات الألياف البصرية التي بدأ مدّها عبر المحيطات بين أمريكا وأوروبا واليابان. لم يتوقع أحد حصول مشكلة مشابهة لأن الكابلات النحاسية التي مدّت قبل سنوات لتوصيل المكالمات الهاتفية لم تتعرض لأي حوادث مشابهة على مدى سنوات، مما دفع الكثير من الشركات للاستثمار في أبحاث أسماك القرش لمعرفة السبب وراء انجذابها الغريب نحو كابلات الألياف البصرية.

ربما تتسائل الآن، إن كان بإمكاني ببساطة حمل كماشتي الصغيرة والتوجه نحو الكابل الضوئي لقطعه مسبباً انهياراً ضخماً في شبكة الانترنت على الأقل على مستوى محليّ، وهناك ملايين الملايين من الكابلات غير المحمية حول العالم وعلى الأقل ملايين الناس الغاضبين بما فيه الكفاية لتجربة الأمر، لماذا لا تزال هذه الشبكة موجودة؟ لماذا بعد وصولنا للفضاء وسعينا للوصول إلى المريخ ما زلنا مرتبطين بشبكة الكابلات هذه بهذا الشكل؟

قبل أن أجيب على هذا السؤال البسيط، فلنتحدث قليلاً عن الانترنت.

من يمتلك الانترنت؟

الإجابة الطويلة؟ حسناً يعتمد الأمر على أي جزء من الانترنت تقصد. الانترنت كمصطلح يعبر عن الشبكة التي تربط بين أجهزة الحواسيب حول العالم (بكبرها وصغرها) مما يعني أنها تتكون (فيزيائياً) من الأجهزة الموصولة على الشبكة والكابلات التي تصل بينها.

الأجهزة يمتلكها مختلف أنواع الأشخاص والشركات حول العالم، وكونها تستخدم بشكل مباشر من مالكيها من السهل معرفة من يمتلكها؛ أنا أمتلك حاسوبي الشخصي، فيسبوك تمتلك سيرفراتها الضخمة المخبئة تحت الماء، غوغل تمتلك حواسيبها السحابية الخارقة التي تعالج كل تفاصيل حياتنا الشخصية لتقدم لنا إعلانات مخصصة. من الممكن بيوم من الأيام أن أفصل اتصال حاسوبي عن الانترنت، وسيبقى الانترنت موجوداً كونه لا يعتمد على محتوى حاسوبي للعيش، ولكن بفرض فصل أحد مخدمات فيسبوك عن الانترنت سيكون الوضع أكثر جدية كون ملايين المستخدمين سيفقدون الوصول لصور القطط المفضلة لديهم.

يهمك أيضًا: ماذا سيحصل لو انفجرت سيرفرات شركة فيسبوك ؟

هناك سيرفرات (أجهزة حواسيب مخصصة) يمكن استئجارها، ولكن مجدداً من السهل معرفة من يمتلك هذا الجهاز ومن يستأجره.

الأمر الأكثر تحييراً هو الكابلات، الكابلات لا يمكن تحديد من يستخدمها بسهولة، بالتالي لا يمكن معرفة من يمتلكها ويستفيد منها بسهولة.

ضمن الدولة الواحدة وبين المدن، شركات الاتصالات المحلية سواء الحكومية أو الخاصة تقوم بهذا العمل، أنت أصلاً تدفع لهذه الشركات لتسمح لك باستخدام شبكة كابلاتها المخدمة حول الدولة والموصولة بشبكة الكابلات الأضخم الموجودة في المحيطات والعابرة للحدود البرية. وهذا يجعل وجود هذه الشركات منطقياً من الناحية المادية، هم يقومون بتخديم شبكة الكابلات ودفع ثمنها، وأنت تدفع مبلغاً شهرياً لقاء استخدامها.

ماذا عن الكابلات خارج الدول، أو العابرة للقارّات؟

في السنوات الأولى من حياة الانترنت، تكفلت مجموعات شركات الاتصالات بتقاسم تكلفة الكابلات التي تصل بين الدول والقارّات، مفهوم الشركات متعددة الجنسيات ليس حديثاً على الإطلاق ومفهوم مجموعات الشركات التي تعمل على مشروع واحد من دول مختلفة ليس جديداً أيضاً. هذه الشركات إما قامت بالمشاركة لتوزيع الانترنت داخل بلدانها وهي طريقة حصولها على الأرباح اللازمة لتغطية التكاليف، أو قامت بتأجير أو بيع حصصها من الكابلات لشركات أخرى ضمن البلاد التي تصل بينها هذه الكابلات. في أحيان نادرة يمكن أن تمتلك شركة واحدة الكابل بأكمله أيضاً لتستأثر بالأرباح.

يختلف الأمر قليلاً عند الحديث عن السنوات الأخيرة، شركات مثل غوغل، فيسبوك، أمازون ومايكروسوفت أصبحت تمتلك العديد من الكابلات البحرية الخاصة، السبب الذي يدفع شركات المحتوى هذه للدخول في سوق الكابلات البحرية هو أنها ستستفيد من الوصول الأفضل والأسرع لخدماتها حول العالم، كون هذه الخدمات بالنهاية منتجات تجارية، وفي نفس الوقت يمكن أن تطلب من شركات الاتصالات المحلية مبالغ مالية مقابل استخدام هذه الكابلات.

طول الكابلات البحرية التي تمتلكها كل شركة من الشركات الأربعة

يمكن لغوغل أن تمد كابلاتها الخاصة من أجهزتها وحتى قارة أخرى، تحصل على بيانات المستخدمين باستخدام هذا الكابل، ومن ثم تبيعها للمعلنين لتحصل على المال مقابل خدماتها، ومن ثم تطلب من المستخدمين نفسهم الذين باعت بياناتهم (بشكل غير مباشر عبر شركات الاتصالات المحلية) دفع تكاليف استخدام هذا الكابل لنقل بياناتهم المباعة.

تخيل مثلاً شركة نفط تستخرج النفط دون دفع أي مقابل، تمد أنابيب بين الدولة التي تمتلك النفط وتلك التي ترغب بشراءه ومن ثم تتقاضى المال من هتين الدولتين مقابل نقل نفطهما داخل هذه الأنابيب، ومن ثم تعيد بيع النفط للناس في الدولة التي ترغب بشراءه… عند النظر للأمر من زاوية معينة يمكن القول أن غوغل تقوم بأمر مشابه لهذا إلا أن الأمر بدأ بالتغير مع تطور قوانين الانترنت التي تتطلب من هذه الشركات دفع الضرائب المحلية في الدول التي تقدم خدماتها فيها.

الشركات العملاقة الشريرة تمنعنا من التخلص من هذه الكابلات والانتقال للبث الفضائي لاستخدام الانترنت

نظرية مؤامرة جيدة، ولكنها مستبعدة جداً. السبب في هذا أن نقل البيانات من خلال الكابلات لا يزال أفضل بعشرات المرات مقارنة بالنقل الهوائي، سواء قصير المدى أو طويل المدى. لوضع الأمور في سياق قابل للمقارنة، سرعة 100 غيغابت في الثانية سرعة طبيعية جداً في الكابلات الضوئية، ولكنها لم تتعدى مرحلة الخيال العلمي حتى وقت قريب جداً عند الحديث عن النقل عبر أبراج الاتصالات مثلاً، الأمر ذاته عند الحديث عن شبكات الوايفاي.

أما بالنسبة للبث الفضائي فالأمر يصبح أكثر تعقيداً؛ نحن نستخدم بث البيانات من الفضاء سلفاً عندما نتابع التلفزيون ولكن الطريقة التي يعمل بها التلفزيون والطريقة التي يعمل بها الانترنت مختلفتين تماماً. محطات التلفزيون تقوم ببث المحتوى نفسه في الوقت نفسه لكافة المستقبلات ولا يهم مدى سرية هذه البيانات أو وصولها بشكل كامل لنقطة معينة أم لا، وإنما الأهم هو سرعة وصول البيانات وتغطية أكبر مساحة ممكنة لاستلام هذا البث.

الانترنت مختلف، يحتاج الانترنت لتشفير البيانات ولضمان وصولها للمكان الصحيح وبالسرعة الكافية، وهذا ما يجعل نقل البيانات عبر الأقمار الصناعية أبطأ بكثير مقارنة بالكابلات الأرضية. هذا لا ينفي وجود خدمة انترنت مبنية على الاقمار الاصطناعية ولكنها غير منطقية للاستخدام بشكل تجاري واسع.

مراكز الأبحاث القطبية أحد الأماكن القليلة التي يجبر البشر فيها على استخدام الانترنت عبر الاقمار الصناعية وقبل سنوات أصبحت كمية البيانات التي تنتجها هذه المراكز في اليوم الواحد أكبر من سرعة نقل البيانات عبر الأقمار الصناعية واستخدام الانترنت عبر الاقمار الصناعية في تلك المناطق لا يتخطى سرعة 3 ميغابت في الثانية وقد تصل قيمة التأخير في إرسال البيانات حتى الثانية الواحدة – مقارنة بالستين ملي ثانية التي تقدمها أغلب الكابلات البحرية.

باختصار، لم نصل بعد لمستوى التقنية الذي يسمح لنا بالتخلي عن الكابلات والانطلاق نحو مستقبل لا سلكي، وربما يحتاج هذا المزيد من الوقت ليكون قابلاً للتنفيذ… ولكن هناك أخبار جيدة، أعمار الكابلات البحرية الفعالة لا تتجاوز ال25 سنة… لذا إن ظهرت تقنية أكثر اقتصادية وأكثر سرعة، يمكن لأغلب الشركات الانتقال لهذه التقنية بكمية خسائر قليلة جداً.

إذاً، لماذا لا يمكنني قطع الكابل البحري؟

على عكس المتوقع، كابلات الانترنت البحرية متينة وليس من السهل قطعها. أحد أكثر الكابلات البحرية تعرضاً للمشاكل والأعطال، الكابل الواصل بين Rockport, Maine وجزيرتي North Haven و Vinalhaven في الولايات المتحدة تعرض ل45 عطل على مدى 15 عام وأغلبها كان بسبب الظروف الطبيعية وليس بسبب تدخلات بشرية. الكابلات الأخرى تتعرض لأعطال نادرة جداً في الظروف الطبيعية.

الإشاعة المتعلقة بقضم أسماك القرش لكابلات الألياف الضوئية ليست بالخطورة التي تبدو عليها، بالنسبة لأسماك القرش هذه الكابلات الرفيعة جداً أشبه بأسلاك تنظيف الأسنان مما يجعلها أكثر عرضة للقضم، ولكن الكابلات ذاتها من الصعب أن تتأثر بهذه القضمات كونها محمية بالعديد من الطبقات ومدفونة تحت الرمال في كثير من الأحيان، حوادث قضم الكابلات في بداية ظهور الانترنت ربما كانت أمراً جللاً كون تقنية الصناعة وتكاليف الإصلاح كانا عنصرين خانقين، ولكن اليوم الأمر مختلف، يمكن اليوم مدّ كابل بطول 6600 كيلومتر تقريباً بتكلفة لا تتجاوز ال10 ملايين جنيه استرليني، أي ما يقارب ال1500 جنيه استرليني مقابل الكيلومتر الواحد.

عدا عن كونها جنحة قد تتركك تتحلل في السجن لسنوات طويلة، وعدا عن كونه فعلاً غير لطيف على الإطلاق، ستحتاج للكثير من المعدات غالية الثمن لقطع كابل واحد بعد العمل لأشهر طويلة لتحديد مكانه تحت البحر. الكابلات الضوئية لا يتجاوز قطرها تحت الماء قطر خرطوم الماء المنزلي، وأغلبها مدفون تحت الرمال في قاع المحيط، الأماكن التي تظهر فيها هذه الكابلات على السطح أو قرب الشاطئ مراقبة بكثافة عادة سواء من طرف السلطات المحلية أو شركات الانترنت ذاتها.

لنقل أنك بطريقة ما استطعت الوصول للكابل وكانت الكماشة بيدك، الفولطاج المارّ من الكابل سيكون كفيلاً بتركك “مصعوقاً” في قاع المحيط.

حتى لو وصلت للكابل، استطعت النجاة من الكهرباء القاتلة، وخرجت سليماً دون أن يقبض عليك أحد، هناك احتمال كبير أن ما فعلته لهذا الكابل لن يؤثر على شبكة الانترنت بالطريقة التي تتخيلها؛ الطريقة التي يعمل فيها الانترنت تسمح بإعادة توجيه البيانات من خلال الكابلات الأخرى، وهناك ما يزيد الأربعمئة منها اليوم حول العالم، ربما يؤثر قطع كابل واحد على سرعة الانترنت في بلد ما أو يؤثر على أداء مواقع معينة تعتمد على هذا الكابل، ولكن دون قطع الكابلات جميعها في وقت واحد لن تترك أثراً دائماً على الإنترنت.

وحتى لو حصل هذا، هناك عشرات الكابلات الخامدة التي تنتظر التفعيل في حال خروج الكابلات الموجودة عن العمل، وهناك العشرات من الكابلات التي خرجت من الخدمة والتي يمكن استخدامها ولو بسرعات منخفضة في حال انهيار الشبكة الموجودة بالكامل.

لذا لا تستهن بقدرات البشرية لحماية مصدرها الوحيد للحصول على صور القطط والحيوانات الأليفة اللطيفة، وابدأ بالبحث عن طريقة أخرى لإفساد حياة الناس.

يهمك أيضًا: ومن السوشال ميديا ما قتل

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *