مما لا شك فيه أن التفريق والاختيار بين أنواع الملفات الصوتية المناسبة أمر مربك ومثير للحيرة بشكل كبير. لا لتعددها واختلافاتها فقط، بل أيضًا لعدم معرفتنا الواضحة بها. ومن المثير في عالم الصوتيات، انه كلما حاولت التبحر فيه وفي علومه، كلما واجهت المزيد من الأمور التي قد تظنها معقدة أكثر.

فبداية من مصطلحات أولية مثل Sample Rate وBit Depth مرورًا بمختلف أنواع الملفات الصوتية مثل FLAC، WAV، AIFF، DSD وغيرها وصولًا إلى المناقشات حول مدى توافق ملفات FLAC مع تشفير MQA. كلها تبدو تفاصيل كثيرة ومعقدة، وقد تظنها زائدة عن حاجتنا للتعرف على أنواع الملفات الصوتية المختلفة. ولكن الحقيقة هي أنه من الضروري التعرف على معنى وطبيعة هذه المصطلحات قبل حتى استكشاف الاختلافات بين أنواع الملفات الصوتية. وهذا هو ما سنقوم به خلال ما سيلي من سطور. حيث لن تصبح هذه المصطلحات كالطلاسم بالنسبة لك بعد الانتهاء من القراءة.

تعرف على مستقبل ملفات الصور والفيديو مع امتدادات HEIF وHEVC … الدليل الكامل

ما قبل معرفة أنواع الملفات الصوتية

توضيح مصطلحي Sample Rate وBit Depth

قبل التعرف على أنواع الملفات الصوتية علينا أن ندرك كيفية عمل هذه الملفات. ولنتمكن من فهم هذا علينا أن نتعرف على معنى المصطلحين الأهم في عالم الصوتيات الرقمية، Simple Rate وBit Depth. وهما مقياسين يشيران إلى مدى دقة التسجيل الرقمي للصوت. ويمكننا أن نتفهم معناهما بشكل أكبر وأكثر عمقًا باتباع مثال لا يتعلق بالموسيقى بل يتعلق بالرسم واللوحات الفنية.

فلنتخيل أن ناقد فني ينظر إلى اللوحة السابقة ليتمكن من فهمها واستيعابها وكتابة مقاله النقدي المفصل عنها. ولكن على هذا الناقد أن ينظر إلى اللوحة لمرات معينة قبل أن ينتقل إلى اللوحة الأخرى. وكلما نظر هذا الناقد إلى اللوحة في المرة الواحدة كلما استطاع أخذ عينة Sample منها في عقله، وكلما أخذ عينة كلما فهمها أكثر.

لنفترض أن ناقدنا ماهر جدًا في عمله للدرجة التي استطاع من خلالها أن ينظر إلى اللوحة بمعدل 44,100 مرة في الثانية. ثم ارتفع معدل أخذ العينات Sample Rate هذا إلى 96,000 مرة في الثانية. ومع زيادة هذا المعدل يزداد معدل استيعاب الناقد وفهمه للوحة التي بين يديه. وسوف نشير فيما بعد لبب اختيارنا لهذه الأرقام.

لنفترض أن هذا الناقد ينظر إلى جزء صغير من اللوحة في المرة الواحدة، ولنقل أنه الجزء المطلي بالأصفر. لدينا هنا معلومة واحدة تشير إلى وجود اللون الأصفر. ولكن ولأن ناقدنا محترف في عمله يمكنه أن يكتشف أن هذا اللون الأصفر يتكون من عدة درجات قد تصل إلى 16 درجة. في هذه الحالة أصبح كل درجة من درجات اللون تمثل معلومة Bit منفصلة، إذًا أصبح لدينا 16 معلومة Bit.

بمضاعفة هذا الرقم بعدد مرات مشاهدة الناقد للوحة وهو 44,100 في المرحلة الأولى، يمكننا أن نستكشف مدى عمق فهمه واستيعابه لما يراه.

لنطبق ما سبق على الموسيقى الآن. لنفترض أن لدينا مجموعة من الموسيقيين يمثلون اللوحة، وأن التطبيق الذي يقوم بتسجيل موسيقاهم هو الناقد الموسيقي. سيقوم التطبيق بالنظر إلى الموسيقى الواردة إليه بمعدل 44,100 مرة في الثانية، وفي كل مرة سيقوم باستخدام معلومات Bit الستة عشر التي لديه، وهكذا يتمكن التطبيق من وصف ما يستمع إليه، والذي هو معدلات تسجيله للقطعة الموسيقية.

الصوت الذي نسمعه عبر الاسطوانات المدمجة أو عبر خدمات Spotify يشار إليه بمعدل 16bit/44.1kHz، وكما نلاحظ يقاس معدل Sample Rate بالهيرتز. ويمكن تسجيل الموسيقى بمعدل أعلى أيضًا يصل إلى 24bit/192kHz، مما يعني أن تطبيق التسجيل سيقوم بأخذ 192,000عينة في الثانية الواحدة مستعينًا بعدد 24 معلومة bit ليتمكن من وصف الموسيقى التي يقوم بتسجيلها.

باختصار شديد للغاية، كلما زادت معدلات bit depth وsample rate كلما ارتفعت جودة الملف الصوتي الذي تستمع إليه.

أنواع الملفات الصوتية المختلفة

ملفات MP3 – WAV – AIFF

مبدئيًا إن كنت تسعى للاستمتاع بأفضل وأنقى أنواع الملفات الصوتية على الإطلاق، عليك أن تتخطى الأنواع التي سنتعرض لها في هذه الفقرة، وعلى رأسها وعلى عكس ما قد يظن البعض، ملفات MP3. يختصر مصطلح MP3 جملة MPEG-1 Audio Layer 3. وهو أحد أنواع الملفات الصوتية التي تقوم بالتضحية بجودة الصوت من أجل ضغط الملفات إلى أصغر حجم ممكن، عبر إزالة كافة معلومات bits التي لا يمكن للأذن البشرية ان تتعرف عليها أو تفرق بينها. ويمكن قراءة هذا النوع من الملفات عبر أي من الأجهزة المتوفرة على الأرض تقريبًا.

وعلى الرغم من أن معلومات bits التي يتم إزالتها من الملف لا يمكن للأذن البشرية سماعها من الأصل، إلا ان ضغط الملفات بصيغة MP3 يعمل على إنتاج ملف صوتي نحيف، ضعيف ولا يتسم بالحياة إن صح التعبير. ولهذا لم يعد هذا النوع من الملفات مستخدمًا بين المحترفين على الإطلاق حاليًا، حتى أن مبتكروه قد أعلنوا وفاته رسميًا بإيقاف تراخيصه.

تشير كلمة WAV إلى Waveform Audio File Format وأحد انواع الملفات الصوتية التي يمكنها تقديم جودة صوتية مقبولة إلى حد كبير، ونؤكد مقبولة وليست عالية أو فائقة. تمثل WAV وسيلة لتقديم قطعة صوتية عبر تشفيرها من خلال تشفير يعرف باسم Pulse Code Modulation PCM، وهي طريقة لتحويل الصوت من أنالوج إلى الحالة الرقمية لتنطبق عليها معدلات Sample Rate وBit Depth التي أشرنا إليها بالأعلى.

أما نوع AIFF والذي يشير إلى Audio Interchange File Format فيمكن القول بأنه رد آبل على ملفات WAV، حيث تعتمد على طريقة تشفير PCM ذاتها. وقد كان هذا النوع حصريًا فقط للأجهزة العاملة بنظام تشغيل ماك، ولكنها اليوم أصبحت متاحة بشكل أوسع من ذي قبل.

تتسم ملفات WAV وAIFF بجودة صوت مقبولة كما أسلفنا، لكنها غير مضغوطة مما يعني أنها تتسم بحجم ملف كبير نسبيًا، وتستخدم هذه الملفات في بعض خدمات البث الموسيقى محدودة الجودة على عكس بعض الخدمات الأخرى التي تعتمد على ملفات مضغوطة دون فقد جودتها، كما سنشرح فيما سيأتي من سطور.

ملفات OGG – FLAC – ALAC

هنا ننتقل إلى الجانب الأكثر امتاعًا والأعلى جودة بالطبع، حيث أنواع الملفات الصوتية عالية الجودة المستخدمة في أغلب خدمات البث الموسيقي عالية الجودة مثل Tidal، Spotify وApple Music.

ولنبدأ بملف OGG والذي يمكن اعتباره النسخة الخارقة من MP3. حيث أنها ملفات مضغوطة مما يعني أنها تتسم بحجم ملف صغير إلى حد يمكن من مشاركته وتشغيله عبر الاتصال اللاسلكي واي-فاي، ولكن دون تعريض الملف الموسيقي إلى تدمير جودته كما يحدث مع ملفات MP3. وتستخدم هذه الملفات عبر خدمة Spotify وتختلف مجانيتها من استخدامها مقابل رسوم باختلاف معدلات Sample Rate الخاصة بها. حيث يمكن استعمال معدلات Sample Rate 96kbps مجانًا، بينما مقابل رسوم للخدمة الأعلى مع معدلات 320kbps.

دليلك للتحويل بين كافة أنواع وامتدادات ملفات الفيديو بسهولة عبر تطبيق VLC

تزداد جدية الأمور بشكل كبير مع ملفات FLAC أو Free Lossless Audio Codec. ويعتمد هذا الملف على تشفير يعمل على ضغط حجم الملف الأصلي إلى قرابة 60 بالمائة، دون فقد أي جودة ملحوظة من الملف الصوتي الأصلي. ما يميز هذه الوسيلة أنها مجانية ومفتوحة المصدر، كما يمكنها أن تصل يمعدلات Sample Rate إلى 1,411kbps، وهو معدل أعلى مما يمكن تحقيقه بأي وسيلة ضغط أخرى. وتستخدم هذه الملفات عبر خدمات بث Tidal.

أما ملفات ALAC أو Apple Lossless Audio والمستخدمة عبر خدمات بث الموسيقى الخاصة بآبل، فتقل قليلًا عن جودة FLAC ولكن بصورة يصعب ملاحظتها دون استخدام سماعات أذن أو مكبرات صوت احترافية قوية.
يمكن إذًا التفريق بين نوعي الملفات بأن النوع الأول الذي يشمل (MP3 – WAV – AIFF) هو الأكثر ملائمة للملفات الصوتية التي يتم تخزينها على وسائط التخزين المختلفة. أما مجموعة ملفات (OGG – FLAC – ALAC) فهي الأوسع استخدامًا عبر خدمات البث الموسيقي.

هل تظن أن الأمر توقف عند هذا الحد؟ لا، لا يزال هناك الكثير من الأمور التي عليك معرفتها عن الصوتيات وعلومها والاختلافات بينها، وهو ما سنفرد له العديد من المقالات في المستقبل، فابقوا على استعداد دائم للمزيد.