من منّا لم يعد يعتمد على سماعات هيدفون كمصدر رئيسي للاستماع إلى الموسيقى؟ فبالنظر حولنا فقط ودون إرهاق أنفسنا في الأرقام والإحصائيات، أصبحت سماعات هيدفون هي أكثر وسائط الاستماع إلى الموسيقى انتشارًا، سواء على المستوى الاحترافي والذي يعتمد بشكل رئيسي على هيدفون بدلًا من الاعتماد على السماعات الكبيرة، أو على المستوى الشخصي خارج المنزل المصاحب لانتشار الهواتف الذكية، أو حتى على المستوى الشخصي في المنزل، حيث يفضل الكثيرون منّا الاستمتاع بخصوصية الموسيقى من خلال سماعات هيدفون التي توفر بيئة استماع فردي استثنائية لا يمكن لأي من مكبرات الصوت توفيرها مهما كانت متفوقة على مستوى الاستماع الجماعي.

ولكن الحقيقة تقول إن الأغلبية العظمى منّا يعتمد على سماعات هيدفون ليست بالجودة التي ينبغي أن تكون عليها، وأن الصوت الذي تنتجه أقل من المفترض على أقل تقدير. ولأن كل شيء في حياتنا قابل للتحسين والتعديل والترقية، يمكن أيضًا تطبيق هذه القاعدة على سماعات هيدفون التي يمكن من خلال مجموعة من الوسائل المساعدة أن تقدم تجربة صوتية أفضل كثيرًا مما يمكنها تقديمه، بل أفضل مما يمكن لأي وسيط صوتي تقديمه. وفي هذا المقال سنكتشف سويًا هذه الوسائل التي لحسن الحظ يمكن باتباع أي منها تحسين التجربة الصوتية لسماعات هيدفون بشكل واضح وكبير.

كيف يمكنك تحسين صوت سماعات هيدفون الخاصة بك؟

تحسين مستوى جودة الموسيقى

لا نقصد تغيير نوع الموسيقى الذي تستمع إليه، بل تغيير جودة الموسيقى التي تستمتع إليها. وأولًا يجب معرفة بعض المعلومات الأساسية عن الموسيقى، وأولها هو مصطلح Signal Chain. يشير هذا المصطلح إلى المسار الذي يستغرقه الصوت منذ اللحظة التي تم إنتاجه فيها، وحتى اللحظة التي سيصل فيها إلى أذنك عبر السماعة سواء مكبر صوت خارجي أو هيدفون. وتشمل هذه السلسلة أو العملية الرئيسية عدد من العمليات الأصغر المسؤول عنها الأجهزة والبرمجيات الت تقوم بتحويل الصوت الفعلي إلى موجات صوتية يمكننا أن نستمع إليها عبر السماعات.

للتمكن من الحصول على تجربة صوتية استثنائية عبر سماعة هيدفون يجب أن تكون سلسلة الإشارة Signal Chain في أقوى معدلاتها ودرجاتها. بمعنى أن كافة حلقات هذه السلسلة يجب أن تكون على المستوى الملائم للحصول على أفضل جودة صوتية ممكنة، سواء كانت أجهزة تسجيل أو عرض أو تطبيقات تحويل أو ضغط.

إذًا لا يهم نوع ما تستمع إليه، ما يهم هو كيف تم تسجيله وما هي الوسائط التي تستمع إليه من خلالها، فإن كان أي من هذين العاملين أضعف مما ينبغي، لن تتمكن من التمتع بتجربة موسيقية جيدة مهما فعلت ومهما كان مدى قوة العناصر الباقية في سلسلة الإشارة.

ما هي إذًا أفضل الوسائط للحصل على أفضل جودة صوت ممكنة؟ دون شك ومع الأسف في الوقت نفسه، ما من وسيلة يمكنها توفير أفضل جودة صوت ممكنة أكثر من الاستماع إلى الموسيقى عبر أقراص الفينيل والأقراص المدمجة عالية الجودة. وعلى عكس الملفات الرقمية التي نستمع إلى الموسيقى من خلالها عبر خدمات البث الموسيقي أو الملفات المخزنة على الوسائط التخزينية، تقدم أقراص الفينيل والأقراص المدمجة أعلى جودة ممكنة للتسجيل الصوتي الذي لم يتعرض لأي شكل من أشكال الضغط الرقمي.

هل يعني هذا أن عليك التنقل بجهاز Turtable لتشغيل أقراص الفينيل؟ لا، ولكن يكفيك حل من اثنين. الأول هو تحويل الموسيقى من على قرص الفينيل إلى صيغة رقمية دون ضغط يؤثر على جودة الصوت وإن كان سيحتاج إلى مساحة تخزينية كبيرة. وقد أشرنا في مقال سابق إلى كيفية إتمام هذا التحويل. أما الحل الثاني فهو الاشتراك في أي من خدمات البث الموسيقي عالي الجودة، مثل خدمة Tidal HiFi، وخدمة Spotify. والاختلاف بين الاثنين أن لأولى تقدم جودة صوت عالية للغاية ولكن بسعر كبير والثانية أرخص بشكل واضح وتقدم جودة صوت أقل بعض الشيء وإن كانت لا تزال أكثر من مقبولة.

سواء كنت استطعت أن تقوم بأي من الخطوات السابقة، أو كنت لم تتمكن من القيام بها وستكتفي بالجودة الصوتية للملفات الموسيقية المتاحة، لا يزال بإمكانك تحسين التجربة الموسيقية عبر سماعات هيدفون من خلال الوسائل التالية.

استخدام محولات DAC

قبل أن يصل صوت الموسيقى إلى اذنيك عبر سماعات هيدفون يتم تحويله من حالته الرقمية المكونة من أصفار وآحاد يتكون منها الملف الصوتي، إلى الحالة الواقعية الفعلية التي يمكن الاستماع إليها فعليًا. كيف يتم هذا؟ عبر محولات DAC أو Digital-to-Analog Converter. وعلى الرغم من أنك قد لا تعرف ما هي هذه المحولات، إلا أن تستخدمها كل يوم لتوفرها في أغلب الأجهزة التي تمتلكها. فكل حاسوب مكتبي، حاسوب محمول، هاتف ذكي أو جهاز لوحي يشمل محول DAC الخاص به.

المشكلة هي أنه حتى في أغلى الهواتف الذكية والحواسيب، لا يمكن لمحولات DAC المدمجة أن تقدم الجودة الصوتية المرجوة والمطلوبة. بالطبع ستعمل وستؤدي الغرض الأساسي، ولكنها لن توفر أي تجربة استثنائية بأي حال من الأحوال. لذا إن كنت ترغب في التمتع بتجربة صوتية أفضل عليك أن تستثمر في شراء محول DAC خارجي، لتقوم بتجاهل المحول المدمج واستخدام الخارجي الجديد ليكون هو المسؤول عن تحويل الصيغة الرقمية أي الصوت الفعلي.

محولات DAC عبارة عن صندوق صغير، يمكن توصيل هذا الصندوق عبر منفذ USB مثلًا، وقد تتكلف بضعة آلاف من الدولارات وقد لا يصل سعرها إلى 100 دولار. أما عن سبل التحكم فيها، فهي بسيطة للغاية وبعضها لا يشمل إلى زر للتشغيل والإيقاف فقط، بالإضافة إلى محول دائري للتحكم في القوة. ويشمل محول DAC مجموعة من المنافذ المختلفة التي يمكن توصيل سماعة هيدفون من خلال أحدها، كما يمكن توصيلها بمضخم صوت أيضًا، وهو ما سنستكشفه في الخطوة التالية.

استخدام مضخم صوت Amp

تحسين جودة الصوت واستخدام محول DAC سيؤدي بالتأكيد إلى ترقية التجربة الصوتية عبر سماعات هيدفون فماذا إذًا بعد إضافة مضخم صوت Amplifier. بمجرد إضافة مضخم صوت ستشعر بترقية فورية، ملحوظة وقوية للتجربة الصوتية بأكملها.

تقوم مضخمات الصوت بمهمتين أساسيتين، الأولى هي رفع القدرة الصوتية بأكملها، وهو ما يسمح بالحصول على مستوى صوت قوي وواضح حتى في أقل المستويات الصوتية المسموعة، وهو ما توفره سماعات هيدفون الاحترافية عالية الجودة. أما المهمة الثانية فهي إضافة المزيد من العمق إلى الصوت، والمزيد من التنوع إلى التجربة الموسيقية.

ولأن البعض قد يستغرق الكثير من الوقت حتى يتمكن من اختيار مضخم الصوت الأفضل، سنحاول أن نقوم بتبسيط الأمور قليلًا. هناك عاملان يجب مراعاتهما عند شراء مضخم صوت جديد، الأول هو أن مضخمات الصوت تأتي بنوعين، النوع الأول Tube والثاني Solid State، بالإضافة إلى نوع ثالث هجين بين النوعين الأساسيين.

يقوم النوع الأول بإيصال الصوت عبر صمام زجاجي فارغ، لتقوم بحرق الإلكترونات عبر لوحة خاصة تعمل على نقل الإشارات الصوتية. أمر معقد قليلًا أليس كذلك؟ بغض النظر عن الطبيعة التقنية، يساعد هذا النوع من مضخمات الصوت على توفير صوت يتسم بالدفء والسُمك قليل التشوه. أما النوع الثاني فقد لا يوفر الدفء ذاته للصوت ولكنه يوفر دقة وانضبط محكمين للغاية، كما أنها الأوسع انتشارًا من بين النوعين نظرًا لارتفاع سعر النوع الأول.

ثاني الأمور التي يجب معرفتها عن مضخمات الصوت هو أن كل دائرة من دوائرها تشمل Preamplifier و Power Amplifier وكلاهما يعملان على رفع القدرة الصوتية التي تصل إلى السماعات ضعيفة حتى بعد توصيل محولات DAC. وبعيدًا عن الحسابات والمعادلات التي تحكم عمل هذه العناصر، يكفيك أن تعرف أنه من الأفضل الحصول على مضخم صوت من نوع Integrated Amplifier والتي تشمل العنصران مجتمعان في دائرتها الأساسية.

ترقية سماعات هيدفون نفسها

بالتأكيد قد يرغب الكثيرون منّا في توفير كل هذه الخطوات واستثمار مبلغ في سماعة رائعة، قوية مفتوحة من الخلف مثل سماعة Audeze LCD-MX4 والتي يبلغ سعرها قرابة 12 ألف درهم إماراتي. جميعًا سيشعر بالامتنان الشديد للظروف التي ساعدته على اقتناء مثل هذه التحفة الموسيقية الرائعة. ولكن لا يزال بإمكانك شراء سماعة هيدفون جيدة دون دفع هذا الرقم الضخم، وهو ما يتطلب معرفة عدة عوامل أيضًا.

أول ما يجب معرفته هو أن سماعات هيدفون تنقسم إلى نوعين رئيسيين، السماعة المغلقة من الخلف Closed-Back والسماعات المفتوحة من الخلف Open-Back. والنوع الأول هو الذي يشير إلى الظهر المغلق ويتسم صوتها بالانغلاق قليلًا وكأنها تسمع من داخل صندوق، ولكنها تتميز بصعوبة تسريب الصوت إلى الخارج حيث لن يتمكن أي ممن يجلسون بجوارك إلى معرفة ما تسمعه. أما النوع الثاني المفتوح من الخلف فهو الأكثر قوة ونقاء واحترافية ولكنه يمكنه تسريب الصوت من الداخل إلى الخارج بسهولة بالطبع.

ثانيًا، يمكن الاختيار بين مجموعة من السماعات الملغية للضجيج، أو السماعات اللاسلكية وتنتمي هذه السماعات إلى السماعات المقفلة من الخلف، كما تشمل السماعات الملغية للضجيج قد تتضمن مضخم صوت مدمج وهو ما سيجعلك لا تحتاج إلى استخدام مضخم صوت خارجي أو محول DAC.

خاتمة لابد منها

فيما مضى من سطور هذا المقال تعرفنا على ما يمكن بشكل أساسي أن يحسن ويرقي من التجربة الصوتية لسماعات هيدفون لخاصة بك، سوء عن طريق إضافة وسائط تمتلك القدرة على تحسين الصوت أو عن طريق تغيير السماعة ذاتها أو اختيار الجودة الموسيقية المطلوبة.

لا تظن أن الأمر قد انتهى عند هذا الحد، وإن كان يكفيك لاتخاذ الخطوات المناسبة لترقية صوت سماعتك، ولكنك لا تزال تحتاج إلى المزيد من المعرفة الصوتية التي توفرها مجموعة كبيرة من المقالات المتخصصة في موقعنا.