لماذا تخسر شركات التكنولوجيا الحرب على الأخبار الكاذبة

اكتشف وتسوق أفضل مجموعة من المنتجات التقنية وأسلوب الحياةواحصل على خصم 10% على طلبك الأول من متجر سماعة باستخدام الكوبون

TECH1

قبل سنوات قليلة كان السبيل الوحيد لمعرفة آخر الأخبار هو شراء صحيفة ورقية، الاستماع إلى الراديو، أو مشاهدة نشرة الأخبار على التلفزيون. كل واحد من أساليب النشر هذه تطلبت وجود أشخاص في الطرف الآخر يقومون بالكتابة والتحرير والتدقيق ويخضعون للعديد من القوانين والمواثيق الأخلاقية، قبل أن يكونوا قادرين على تقديم المعلومة للقارئ المترقب.

لا يمكن القول أن عالم الصحافة كان صادقاً 100% بكافة أركانه في فترة زمنية ما، فلكل شخص أو جهة انحيازها الخاص ونظرتها الخاصة على الأحداث وطريقتها في تقديمها وهذا موجود منذ البداية. ولكن بنفس الوقت، وجود قواعد محددة تضبط مجال العمل هذا أضفى لها نسبة معقولة من الموثوقية. فلنقل أن الوضع في تلك الحالة كان عبارة عن “خذ بعض الأخبار وتعامل مع أغلبها بتشكيك”.

الأمر مختلف اليوم، اجتاح الانترنت مجال توصيل المعلومات بالكامل؛ حتى أضخم المؤسسات الصحفية التي بنت امبراطوريات ضخمة على مدى عقود طويلة والتي اعتمد عليها الناس حول العالم للحصول على الأخبار اليومية – حتى هذه المؤسسات الهائلة بدأت بفقدان شعبيتها وتراجعت أرباحها بشكل غير مسبوق… كل هذا بسبب ظهور الانترنت.

عائدات الجرائد من الاعلانات

بظهور الانترنت بدأت تتراجع سلطة هذه المؤسسات الضخمة على مجال الصحافة والإعلام، والسبب في هذا أن أحد أهم مصادر تمويلها – الإعلانات – تم ابتلاعه كلياً من طرف شركات التكنولوجيا مثل غوغل وفيسبوك وغيرها. بدأت هذه المنصات بالسيطرة على مجال إعلانات الإنترنت من خلال أدواتها التي قدمت للناشرين طريقاً أسهل لإيصال إعلاناتهم بشكل دقيق لمن يحتاجها بأسعار معقولة جداً دون الحاجة لدفع أموال طائلة لعرض هذه الإعلانات في الصحف أو المجلات أو حتى عرضها على التلفزيون أو ضمن برامج إذاعية.

الاعلانات الرقمية

قبل سنوات فقط كان السبيل الوحيد لتشهر منتجك الجديد عالمياً هو الذهاب لأحد القنوات التلفزيونية ووضع رزمة من الدولارات على طاولتهم – اليوم لم يعد هذا الخيار وحيداً – حتى لو كانت ميزانيتك دولاراً واحداً ستسمح لك فيسبوك باستخدام خدماتها لنشر الإعلانات وسيصل إعلانك للفئة التي تختارها من المستخدمين بدقة.

ربما تعتقد أن الموضوع بسيط، كل ما على هذه المؤسسات فعله هو الانتقال الى التواجد على الانترنت، قناة سي ان ان؟ اجعلها موقعاً للمشاهدة على الانترنت. صحيفة نيويورك تايمز؟ اجعلها صحيفة رقمية. بدلاً من الإعلانات التقليدية ضع اعلانات رقمية… الأمر سهل… حسناً ليس تماماً.

بينما تقوم أغلب القنوات التلفزيونية والصحف اليوم بالانتقال للتواجد الرقمي على الانترنت بشكل جدّي، هذه الخطوة جاءت متأخرة جداً؛ الكثير من الصحف لا تزال تعتقد أن الخيار الأفضل هو النشر الورقي، والكثير من القنوات التلفزيونية لا تزال تؤمن أن الناس يشاهدون التلفزيون كل يوم. الصحف والقنوات التلفزيونية التي اقتنعت بأن عليها الانتقال من ذاك التفكير البالي والبدء بالعمل على وجودها الرقمي لم تبدأ بهذا سوى من بضعة سنوات – ولا تزال عاجزة عن فهم آلية عمل الانترنت أو ثقافته – وهذا ما يجعل بينها وبين مستخدمي الانترنت شرخاً هائلاً.

هناك بعض القنوات العربية التي تقوم بعمل جيد في هذا المجال، على الرغم من تأخرها في دخوله ولكن في محاولة ضييق الفجوة بينها وبين مستخدمي الشبكة قامت بالعديد من الخطوات التي تجعل اسمها بين المستخدمين اقل “غرابة”.

أعتقد أنه يمكن تلخيص ما قامت به هذه القنوات في هذا المجال ضمن مسارين، الأول هو المجال المكتوب من خلال “المدونات” التي استقطبت الكثير من المدونين العرب المشهورين سلفاً في مجتمع التدوين – هذا جعل تواجدها قبولاً أكثر من قبل الفئة القارئة للمحتوى وحتى الصانعة للمحتوى الكتابي.

الدحيح

المسار الثاني كان المجال المرئي من خلال مبادرات السوشال ميديا والتي استغل فيها أيضاً وجود شخصيات انترنت عربية مشهورة، واستخدمت هذه الوجوه لتخفيف غرابة وجود هذه الشبكات الاعلانية على الانترنت في نظر المستخدمين. فمستخدم الانترنت لن يرتاح لرؤية نشرة الصباح في تايملاين الفيسبوك ولكن صورة الدحيح أو السليط لن تكون بهذه الغرابة لأنه شخص عاديّ، مثله مثلنا.

مجدداً، بغض النظر عن توجهات هذه القنوات السياسة أو حتى توجهات الشخصيات التي تستضيفها وتدعم برامجها، هذه الخطوة في النهاية تصب في مصلحة الشبكة سواء مادياً من خلال الأرباح التي تجلبها هذه البرامج (إن كانت تجلب أي أرباح فعلية) أو معنوياً من خلال إشهار المنصة ورفع نسب قبولها بين مستخدمي الانترنت العرب (وهو ما يترجم لاحقاً إلى مكسب ماديّ).

ما علاقة هذا بموضوع الأخبار الكاذبة؟

أشرت في العنوان أن المقال يهدف للحديث عن الأخبار الكاذبة، ولكن لم أذكر للآن كلمة واحدة بهذا الخصوص، ولكن الآن بعد أن مهدنا بشكل جيد للدخول في المشكلة يمكننا الحديث عنها: لماذا هناك أخبار كاذبة على الانترنت.

ذكرت في البداية أن الانترنت بدأ يأخذ مكان هذه الشبكات الاعلامية الضخمة في مجال توصيل الأخبار بسبب امتلاكه الحصة المالية الأكبر. ولكن، إن لم تكن هذه الشبكات الكبرى هي من يقوم بعرض الأخبار وكتابتها، إذاً من يقوم بذلك؟

الانترنت يتيح لأي شخص كان قول أي شيء كان. أحد أكثر العروض الاخبارية مشاهدةً على يوتيوب -أضخم منصة محتوى مرئي على الإطلاق الانترنت- هو عرض إخباري نصف ساخر يقدمه شاب سويدي يعيش في المملكة المتحدة يستخدم أسماء مستعارة عشوائية ويتحدث فيه عن أشياء عشوائية. ليس من المفترض أن أعطي رأيي الشخصي ولكن هذا مثير للسخرية.

مؤثري الانترنت والشخصيات الرقمية واليوتيوبرز أو أياً كان المسمى الوظيفي الذي يمتلكونه هم اليوم المصدر الذي يتلقى العديد من مستخدمي الانترنت أخبارهم منه. وهؤلاء ليسوا حقاً أسوأ ما هنالك – بل يمكنني النقاش حول كونهم أفضل الموجود.

الطبقة الأخرى من الأخبار على الانترنت قادمة من المواقع والمدونات – الكثير من مستخدمي الانترنت يفضلون القراءة حتى الآن، والطريقة التي تبنى فيها مقالات الانترنت مختلفة تماماً عن طرق بناء المقالات التقليدية، لذا تجد تفضيل المستخدمين الأكبر للمواقع التي تركز حول مواضيع معينة – ولا تتخذ توجه المجلات التقليدية او الصحف في الحديث عن كل شيء – او تلك الأقدم التي لها جذورها في ثقافة الانترنت وتمتلك جمهوراً ضخماً سلفاً.

شخصياً، اعتبر المحتوى القادم من هاتين الطبقتين مقبولاً بشكل أو بآخر بنفس قاعدة قبول المحتوى المنشور في الصحف أو التلفزيون: “خذ بعض الأخبار وتعامل مع أغلبها بتشكيك”.

المشكلة الحقيقية موجودة في الطبقة الثالثة من المحتوى؛ المحتوى القادم من الأطراف المجهولة والتي يمتلك أصحابها أجندات أو يستخدم أصحابها طرقاً غير أخلاقية لإشهارها. تلك الصفحات التي تنشر عن خطر اللقاحات او فضائح الفنانين والسياسيين او الصور المفبركة لتغريدات أشخاص مشهورين أو حتى تلك التي تضع صورة شجرة ساجدة وتطلب من الناس التفاعل معها ومن ثم في المنشور التالي تضع مقالاً عن “نصائح لتخفيف الوزن” يتوقف جهازك من العمل عند فتحه لكثرة الإعلانات.

سماح الانترنت لتواجد هذا النوع من المحتوى بالكثافة الموجودة اليوم هو أحد أضخم المشاكل الموجودة على الإطلاق والجميع متفق على هذا، سواء كان الأمر عائداً للمستخدمين أو المنصات الكبرى أو الحكومات؛ الجميع يرغبون بمنع هذا النوع من المحتوى من الانتشار.

اقرأ أيضًا: ومن السوشال ميديا ما قتل

ما المشكلة إذاً، لماذا لا يقومون بمنع هذا النوع من المحتوى؟

شركات خدمات الانترنت الضخمة التي تستضيف او تساهم في نشر هذا النوع من المحتوى مثل غوغل عبر نتائج بحثها أو منصتها يوتيوب أو فيسبوك من خلال ميزة الصفحات الموجودة فيها وإمكانية مشاركة الروابط أو من خلال مجموعات الأخبار أو حتى منصة تويتر من خلال قدرتها على نشر الأخبار وجمع التغريدات ضمن هاشتاغات معينة. ألا تستطيع هذه الشركات بكل مواردها البشرية والتقنية أن تمنع نوعاً معيناً من المحتوى يتفق الجميع على أنه يجب أن يختفي؟ أليس من المفترض أن يكون سهلاً عليهم فعل هذا، بالأخص عند تواجد الدعم الحكومي والشعبي لهذا التوجه؟

هناك بعض المشاكل هنا يجب علينا الحديث عنها لنفهم صعوبة ما على الشركات القيام به:

المشكلة الأولى: ما هو المحتوى الذي يجب إزالته

وهذه هي المشكلة الأكبر بين كل المشاكل التي سأذكرها. لا يوجد تعريف محدد يتفق عليه كل الأطراف عند الحديث عن “الأخبار الكاذبة”… حاولت قبل قليل شرح المصطلح قدر الإمكان من خلال تضمين عدد كبير من الأمثلة ولكن حتى الحديث بتلك الطريقة ليس دقيقاً ولا كافياً، ولا يمكن استخدامه لإصدار قوانين حكومية ولا حتى لبناء قواعد تحرير ضمن المنصات.

لنأخذ الأخبار الكاذبة المتعلقة بالانتخابات الأمريكية والتي كانت سبباً رئيسياً في ارتفاع الاحتجاج العالمي ضد هذا النوع من المحتوى، لكل طرف سياسي في الولايات المتحدة تعريفه الخاص للأخبار الكاذبة، وما يزيد الأمور تعقيداً هو البند الأول في الدستور الأمريكي الذي يضمن حرية التعبير طالما لا تساهم بخرق القانون بشكل مباشر أو تحرض على العنف.

ما يعنيه هذا ببساطة أن القانون الأمريكي يضمن حرية التعبير للجميع وأغلب المحتوى المنشور في هذه المنصات يقع تحت هذه المظلة من الناحية القانونية – وهذا يؤدي لضعف دور الدولة في تنظيم هذا المحتوى مهما حاولت. بالنسبة للدول الأخرى الجانب السياسي ليس بهذا التعقيد بسبب وجود قوانين أكثر صرامة حول هذا النوع من المحتوى وعدم إبداء الأهمية لقوانين حرية التعبير كما في الولايات المتحدة، ولكن تبقى أنواع المحتوى الأخرى موجودة.

الأمر الآخر الذي يجب الانتباه له أن هذه المنصات سواء الحديث عن غوغل أو فيسبوك أو تويتر هي منصات أمريكية الأصل وهي خاضعة للقوانين الأمريكية، وبحسب هذه القوانين لا يمكن للدولة التدخل في شؤون الشركة الخاصة طالما تسير ضمن القانون.

اي بما معناه أن الدولة غير قادرة على منع فيسبوك أو إجبار فيسبوك على عرض محتوى معين على المنصة، فيسبوك تتحكم بكافة المحتوى الموجود على المنصة بسياساتها الخاصة طالما لا يخالف هذا أي قوانين موجودة.

هناك نقاشات كثيرة حول التعامل مع هذه المنصات على أنها شركة خاصة أو منصة عمومية كي تصبح الدولة أكثر قدرة على سن القوانين المتعلقة بها، ولكن هذا لا يحل المشكلة برأيي كون تحويل هذه المنصة من خاصة لعامة من الناحية القانونية ربما لن يغير شيئاً… فالكثير من الدول تقف عاجزة الآن عن إيقاف سيل الأخبار الكاذبة على الرغم من وجود الكثير من القوانين التشريعية.

كل ما سبق متعلق بمشكلة واحدة وهي الأخبار السياسية الكاذبة – التطرق لمشاكل أخرى مثل مكافحة اللقاحات أو التشويه الديني أو المقالات الصحية الكاذبة أمر اكثر تعقيداً بكثير من الناحية القانونية – بالأخص في الولايات المتحدة.

هذا ينقلنا للمشكلة الثانية، كون الحمل الأكبر في مكافحة هذا النوع من الأخبار يقع على المنصات ذاتها والشركات التي تديرها لكون الحكومات عاجزة في أغلب الوقت عن فعل شيء، إذاً لماذا لا يمكن لهذه الشركات وضع تعريف خاص بهم وتطبيق قوانينهم على هذا النوع من المحتوى دون الحاجة للدولة؟

المشكلة الثانية: فيسبوك ليست مجلة أو صحيفة ولا تمتلك قواعد تحريرية

طالما لا نمتلك تعريفاً عاماً للأخبار الكاذبة، لماذا لا يمكن للمنصات إنشاء تعاريف خاصة بها ومحاولة السيطرة على الوضع قدر الإمكان؟ حسناً هذا ما تقوم المنصات بفعله الآن، وقبل أن أتحدث عن أسباب فشل هذا الأمر سأتحدث عن تجربتين رئيسيتين في هذا المجال: الأولى تجربة فيسبوك مع فريق مراجعة المحتوى، والثانية تجربة غوغل في يوتيوب.

ما عليك معرفته في البداية أن كل من هذه المنصات – وأغلب منصات التواصل الاجتماعي الأخرى الموجودة الآن – كل هذه المنصات تدعي أنها تؤمن بحرية التعبير، وهذا بالطبع ضمن حدود شروط استخدام المنصة التي ربما تمنع المحتوى الإباحي أو المتعلق بالإرهاب والقتل أو الصور المؤذية للأعراق أو الجنسيات المضطهدة، ولكن علينا النظر لهذا بطريقة أخرى.

منع المحتوى الإباحي في أغلب المنصات قادم من اهتمامات ناشري الإعلانات، لذا لا يمكن القول أنه “قاعدة تحريرية” بقدر كونه “قاعدة للحفاظ على المال”. منع المحتوى المحرض على العنف أو المحتوى العنصري هو أمر ينص عليه القانون في أغلب دول العالم، المحتوى العنصري ليس ممنوعاً بشكل كامل في الولايات المتحدة – المنع يشمل المحتوى المحرض على العنف ضد الأعراق، ولكن اهتمامات المعلنين أيضاً تأتي هنا لتجعل قواعد هذه المنصات أكثر صرامة من القانون لتشمل التعرض اللفظي للأعراق والجنسيات والتوجهات المختلفة.

اهتمام المنصات بالمحتوى وأنواعه غير قادم من ناحية أخلاقية، هو قادم من ناحية قانونية ومالية فقط. ويجب فهم هذا للانتقال للحديث عن التجارب التي قامت هذه الشركات بها لتغيير سياساتها.

في حالة فيسبوك

قبل بضعة سنوات قامت فيسبوك بتجربة صغيرة لبناء قواعد تحريرية من خلال خوارزمية معينة، تضمنت هذه الخوارزمية مجموعة من المحررين الذين يختارون مقالات معينة لبناء قائمة من المقالات “المشهورة” Trending في الموقع، وفي عام 2016 قامت الشركة بفصل هذا الفريق بعد تدريب الخوارزمية لتكتشف أن الأمر ليس بهذه البساطة، كان الأمر أسوأ من التوقعات وأدى الأمر بالنهاية لإغلاق هذا الجزء من فيسبوك بالكامل.

كانت هذه التجربة التحريرية الأولى من طرف فيسبوك ولم تكن الأخيرة، التجربة الثانية التي يتم اختبارها حالياً هي تجربة تتضمن بآلية لتعليم مصداقية الاخبار عن طريق وكالات صحفية محلية في كل بلد، هذه الآلية لا تزال قيد التجريب وعلى الرغم من كونها خياراً جيداً جداً كونها تزيل حمل التحرير عن كتفي فيسبوك وتضعه على عاتق شبكات إعلامية عريقة ولها خبرتها في هذا المجال.

ولكن في نفس الوقت، لا يعتبر هذا حلاً كاملاً للمشكلة، وسنتطرق لهذا بعد قليل.

في حالة يوتيوب

شخصياً اعتبر غوغل أكثر حسماً عندما يأتي الأمر لتعريف منصاتها أو سياساتها فيها – وعلى الرغم من التخبط الهائل في سياستها عند الحديث عن يوتيوب لا تزال القرارات أوضح وأكثر استقامة من تلك التي تأخذها فيسبوك.

على سبيل المثال، لدى غوغل قواعد تحريرية واضحة عند الحديث عن يوتيوب فيما تقوم المنصة بترويجه او عدم ترويجه، وهي قواعد متعلقة بالمعلنين بشكل واضح، جزء آخر من القواعد يتعلق بالسلامة العامة وعلى الرغم من عدم تعلقه بالمعلنين أو بالقانون بشكل مباشر، غوغل تستغله ليكون “إضافة إيجابية” لسمعتها على الانترنت وبالتالي تحسن صورتها لدى المعلنين وتحصل على المزيد من المال.

ما قامت غوغل بفعله هو تخفيض الوصول لكل الفيديوهات المتعلقة بنظريات المؤامرة، سواء كانت المتعلقة بمقاطعة اللقاحات أو الأرض المسطحة، دون أي اعتذار من طرفها. الفيديوهات ما تزال موجودة في المنصة لذا لا تزال غوغل محتفظة بوعدها المتعلق بحرية التعبير، ولكنها منعت هذا النوع من الفيديوهات من الحصول على الوصول الذي يأمله أصحابها – بالتالي دفعتهم بعيداً عن المنصة بشكل مهذب.

غوغل تفعل أشياء مشابهة منذ زمن طويل، في حالة المحتوى الذي “يقارب” العنصرية، لنقل مثلاً الأناشيد الجهادية أو خطابات هتلر، طرفين مختلفين جداً من الناحية السياسية، تقوم غوغل في هذه الحالات بمنع التعليق والتفاعل مع الفيديو والوصول له من خلال الفيديوهات المقترحة، ولا تقترح أي فيديو لمن يشاهده. لا تخرق هذه الفيديوهات أي قانون ولكن غوغل ودون اعتذار تعتبرها فيديوهات تطويع وإغراء لمن يرغب بالانضمام لهذه الفئات المتطرفة – ولكنها في نفس الوقت تؤمن بحرية التعبير، وتؤمن بأن هذا المحتوى يمتلك أهمية تاريخية.

إن الذكاء في حالة غوغل إنها تكافح هذا المحتوى ليس بطرده خارج المنصة -في أغلب الأحيان- وإنما من خلال حرمانه من الحافز الوحيد: الوصول. ولكن لا يمكن تطبيق هذا على كل المنصات الإلكترونية – فحالة يوتيوب خاصة بشكل أو بآخر كونه عادة يروج لصناع المحتوى بطريقة طبيعية ضمن المنصة من خلال الكثير من الميزات ويمكنه استغلال هذه النقطة للتحكم بمن يمتلك المزيد من الظهور.

فيسبوك على سبيل المثال لا تمتلك آلية مشابهة، بل على العكس تكافح صناع المحتوى بسياسات تجعل إيصال المنشورات أصعب، وأغلب اعتراضات الناس تأتي على المحتوى الذي تقوم فيسبوك بتقاضي المال من أجل ترويجه، لا من المحتوى الذي يتم ترويجه بشكل تلقائي من خلال المنصة. لذا فيسبوك بحاجة للمزيد من الوضوح والتشديد في سياساتها إن كانت ترغب بسلك طريق غوغل.

في حالة نتائج بحث غوغل

الحرب على الاخبار الكاذبةالطريقة التي أفضلها شخصياً في التعامل مع كل شيء متعلق بالأخبار الكاذبة على الانترنت هي طريقة غوغل في التعامل مع محرك البحث الخاص بها: لا تقم بأي شيء، ودع الخوارزمية تقوم بعملها. وهذا يرفع عن غوغل حمل تحرير الاخبار أو منع المواقع الكاذبة أو حظر مقالات معينة من الظهور. كل ما على غوغل فعله الآن لنتائج بحثها هو ضمان أنها لا تخالف القانون. وهذا يقتصر غالباً على قوانين حقوق النشر وبعض القوانين المحلية.

في السنوات الأخيرة ظهرت العديد من الأصوات التي تنادي في فحص خوارزمية غوغل للبحث للتحقق من كونها تظهر انحيازاً سياسياً نحو اليسار الليبرالي، وهذه الأصوات قادمة من اليمين المحافظ في الولايات المتحدة غالباً بداية من الرئيس وحتى العديد من أعضاء الكونغريس، ولكن مع مشاهدة “الأدلة” التي يعرضها هؤلاء وبالقليل من الإطلاع على أساسيات عمل محركات البحث، يمكن القول بأمان أن أغلب ما يقولونه لا صلة له بالحقيقة.

بالمختصر، غوغل تمتلك الكثير من المعايير الخوارزمية التلقائية التي تتعلق غالباً بجوانب تقنية لا علاقة له بماهية المحتوى كي ترتب النتائج ضمن البحث، وتأخذ بعدها عوامل أخرى متعلقة بالمستخدم، وتخصص هذه النتائج بأفضل شكل ملائم له. كل هذا بطريقة آلية، ولا أحد يعرف التفاصيل المتعلقة بهذا.

السرية في طريقة عمل خوارزمية غوغل للبحث وآليتها الكاملة يجعلانها السلاح الأفضل لمكافحة “المسؤولية” عن الأخبار الكاذبة. ولكنها لا تكافح الأخبار الكاذبة بنفسها – وهي أحد الإجابات الأكثر بساطة على هذه المشكلة: المنصة لا علاقة لها بما يتم عرضه من خلالها.

اقرأ أيضًا: ماذا سيحصل لو انفجرت سيرفرات شركة فيسبوك ؟

المشكلة الثالثة: كمية المحتوى

مهما كانت قدرات غوغل وفيسبوك المعالجية ضخمة، لن تكونا قادرتين على معالجة كل المحتوى الموجود في سيرفراتها بطريقة مثالية. حجم البيانات واستمرارية الضخ تجعلان من هذا الأمر مهمة مستحيلة. ويجب فهم هذا عند الحديث عن بناء خوارزميات “اوتوماتيكية” لتقييم المحتوى.

الكمية تصبح مشكلة أيضاً عند الحديث عن كل أنواع المحتوى التي على هذه الخوارزميات دراسته وتقييمه ومن ثم إعادة تقديمه للمستخدم. البشر ذاتهم عرضة للوقوع في فخ الثقة بالأخبار الكاذبة – بعض المواقع المزيفة تقوم بعمل جيد جداً في إقناع القارئ أو المشاهد بما يقرؤه، أو حتى تخدعه ليثق أنه يقرأ من مصدر موثوق من خلال محاكاة تصميم ذاك الموقع وهويته البصرية – وهي مشكلة موجودة من وجود الانترنت ذاته.

وتبديل الخوارزميات بفريق بشري هو أمر مستحيل في هذه النقطة بالنسبة لفيسبوك وغوغل، على الرغم من استخدام موظفين من هذا النوع في بعض الأجزاء من المنصات إلا أنه مؤقت بشكل أو بآخر – كونه غير فعال لا من الناحية المادية ولا من الناحية الزمنية.

اذاً ما الذي يجب فعله؟

في الحقيقة لا يوجد حل فعلي لهذه المشكلة – لا نزال نعيش ضمن هذه الحقبة الزمنية ولا يمكننا القول بشكل قاطع أن الحل الفلاني هو الصواب، ولكن ما علينا فعله حتماً هو تعلم المزيد حول الانترنت وثقافته وفهم ما يجري فيه، ومن ثم الانتظار بترقب ما سيحدث في السنوات القادمة وما ستحمله موجة المساءلات التي تحصل اليوم من طرف الدول والأفراد نحو هذه الشركات.

الأمر الوحيد الذي نعرفه بشكل قاطع أن وجه الانترنت سيتغير حتماً في السنوات القادمة بسبب ما يجري اليوم.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *